بقلم أندرو ك. ب.  ليونغ (الخبير الدولي والاستراتيجي الصيني المستقل. رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة أندرو ليونج المحدودة للاستشارات…

    قلم أندرو ك. ب.  ليونغ (الخبير الدولي والاستراتيجي الصيني المستقل. رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة أندرو ليونج المحدودة للاستشارات والاستثمارات.)

    Andrew-K.P.Leung_في رواية “قصة مدينتين” قال شارلز ديكنز الجملة الشهيرة: “لقد كانت أفضل الأوقات، كانت أسوأ الأوقات، كان عصر الحكمة، كان عصر الحماقة، كان عصر الإيمان، كان عصر الشك، كان فصل النور، كان فصل الظلام، كان ربيع الأمل، كان شتاء اليأس”.

    وأنا الآن أقتبس من ديكنز هذه الكلمات والتي تلخص بشكل كامل عالمنا الحالي المقلوب رأساً على عقب.

    إن القوة العظمى المهيمنة على العالم -الولايات المتحدة- تخوض قتالاً مصيرياً على كافة الأصعدة ضد الصين بصفتها الند الوحيد القادر على منافستها.

    تزداد المواجهات الاستعراضية ومواجهات “تكتيك تقطيع السلامي” حول تايوان ولا تزال التعريفات الجمركية العشوائية تُفرض على الواردات ذات الأسعار المعقولة من الصين مضحيةً بمصالح المستهلكين الأمريكيين. ولاتزال الإجراءات الصارمة قائمة لمنع الوصول إلى رقائق أشباه الموصلات المتطورة على الرغم من الأضرار الجانبية التي لحقت بالمؤسسات الأمريكية. ويتم شيطنة الصين في كل خطاب أمريكي متجاهلين حقيقة وجود 128 من بين 190 دولة في جميع أنحاء العالم مع الصين باعتبارها أكبر شريك تجاري لها.

    وبفضل التَغيُر المُناخي فإن الظروف الجوية القاسية شاملة موجات الحرارة غير المسبوقة والجفاف والفيضانات وحرائق الغابات تجتاح أوروبا وأفريقيا وآسيا. وتتعرض العديد من أنهار العالم العظيمة مثل نهر كولورادو ونهر اليانغتسي والراين للجفاف وستؤدي ندرة المياه إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي وتَأجُج النزاعات الحدودية بين الدول والشعوب. ووفقًا لجيمس لوفلوك فإن الطبيعة الأم تنتقم لقرون الحماقات البيئية التي حدثت على أيد البشر.

    ومما زاد الطين بلة؛ فإن الحرب مستمرة في أوكرانيا وتخوض الولايات المتحدة حاشدة دول الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي حرب استنزاف طويلة ضد روسيا مضحيةً بدماء الأوكرانيين ومدنهم ومسببة أضرار جانبية عالمية تتمثل في نقص الطاقة، اضطراب سلاسل التوريد، ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة مما سيؤدي إلى تضخم جامح. وتستعد المملكة المتحدة وألمانيا ودول أوروبية أخرى لشتاء لا يرحم حيث تتضاءل إمدادات الغاز من روسيا. وبدأت الوحدة الأوروبية الحديثة في التدهور لأن الناس في مختلف البلدان غير راضين الضرر اللاحق بهم.

    قام مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة إلى أعلى مستوياتها منذ عام 1994 لمواجهة معدلات التضخم التي بلغت أقصي ارتفاع لها منذ 40 عامًا مما يهدد بحدوث ركود اقتصادي وركود سوق الأسهم في جميع أنحاء العالم.

    وفوق كل ذلك تستمر جائحة COVID-19 مع ظهور المتغير omicron سريع الانتشار مما يعزز من الفكرة التي تؤمن بها بعض الدول الغربية ضد الصين ذات “الصفر حالات COVID”. وفي كلتا الحالتين، تراجعت معدلات النمو الاقتصادي في جميع أنحاء العالم بما في ذلك الصين. على الرغم من الإغاثة الحكومية فَقد اختفت العديد من الوظائف والشركات وبدأ الناس يخفضون من مصروفاتها.

    وعلى الرغم من الحرب المروعة والمجاعات والأوبئة، فإن الدول المسيطرة على اللعبة على قدم وساق مما يمثل تحديات غير محدودة وكذلك فرصًا للصين بما في ذلك منطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة. حيث تتمتع هونغ كونغ بنظام دستوري مميز من دولة واحدة ونظامان شاملاً قضاءً مستقلاً بموجب القانون العام، ولهونغ كزنغ دوراً محورياً في منطقة خليج قوانغ دونغ وهونغ كونغ وماكاو الكبرى التي يبلغ عدد سكانها 86 مليون نسمة وإجمالي ناتج محلي يمثل أكثر من عُشر الصين وهي في وضع جيد لتكون مركزًا ماليًا وتحكيمًا دوليًا للمشاريع على طول مبادرة الحزام والطريق في جميع أنحاء العالم.

    النقاط الآتية تمثل الجانب المشرق في الأزمة الحالية: 

    أولاً: تعد الصين هي الدولة الرائدة في مجال الثورة الصناعية الرابعة للتواصل الرقمي في كل مكان، إنترنت الأشياء، الذكاء الاصطناعي (AI)، البيانات الضخمة (Big data)، الروبوتات، سلاسل الامداد، الطباعة ثلاثية الأبعاد، السيارات والطائرات ذاتية القيادة، المؤتمرات المقامة عن بُعد، وما إلى ذلك. ومن المقرر أن تقوم بتشجيع عدد كبير من الأنشطة الاقتصادية الجديدة والوظائف التي تتطلب مهارات عالية لتستبدل حوالي 800 مليون من أصحاب المهارات المنخفضة أو ثلث القوة العاملة في 42 دولة وفقًا لماكينزي.

    نيًا: تقود الصين نشر الثورة الخضراء في جميع أنحاء العالم حيث تعد أكبر منتج للكهرباء في العالم من مصادر الطاقة المتجددة والذي يمثل ضعف الناتج المماثل للولايات المتحدة والتي تأتي في المرتبة الثانية. تعد أيضاً أكبر مصنع للسيارات الكهربائية في العالم وتعمل بشكل سريع على توسيع أساطيل الحافلات العامة الكهربائية وتهيمن حاليًا على سلاسل توريد الألواح الشمسية الكهروضوئية العالمية. وبموجب اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ فإن أهداف الصين للوصول إلى ذروتها في انبعاثات الكربون بحلول عام 2030 وحياد الكربون بحلول عام 2060 تعد ضمن المستويات المحددة. وبغض النظر عن الرغبة في بناء دولة أكثر جمالا واستدامة فإن العامل الإضافي للطاقة المتجددة هو أمن الطاقة وتقليل الاعتماد على واردات النفط عبر المناطق العبور المختنقة مثل مضيق ملقا الذي يسيطر عليه الأسطول الأمريكي السابع ومضيق هرمز والخليج العربي.

    الثًا: بموجب الرؤية المخطط لها لعام 2035 فسوف الصين تقريباً بمضاعفة حجم شبكة السكك الحديدية عالية السرعة المتطورة والتي يبلغ طولها 36 ألف كيلومتر -ما يمثل ثلثي الإجمالي العالمي- إلى 70 ألف كيلومتر على مدار الخمسة عشر عامًا القادمة. وتم تصميم هذه الشبكة لربط جميع المدن التي يزيد عدد سكانها عن نصف مليون شخص في حين أن 200.000 كيلومتر إضافية من السكك الحديدية الحديثة ستربط جميع البلدان التي يصل عدد سكانها أكثر من 200,000 شخص مهما كانت بعيدة. ونتيجة لذلك فمن المتوقع أن يرتفع معدل التحضر في الصين من 60.6٪ في عام 2019 إلى 65٪ ، مما يضاعف الطبقة الوسطى الاستهلاكية في الصين إلى 800 مليون بحلول عام 2035.

    ابعًا: فعلى النقيض من بعض الأفكار المضللة في الأوساط الغربية، فرغم انخفاض معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي بمعدل كبير في السنوات الأخيرة خاصةً عقب الوباء، إلا أن الصين لم تصل بأي حال من الأحوال إلى ذروة قدرتها كما يزعمون في مقال 22 أغسطس في الشؤون الخارجية لأوريانا سكايلر ماسترو وديريك سيسورز وكلاهما من كبار الباحثين في معهد إنتربرايز الأمريكي بواشنطن العاصمة. فبفضل العدد الكبير لخريجي جامعات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) وقوة الروبوتات وتكنولوجيا الأوتوماتية (ذاتية العمل-Digital automation)، الاتصال المحلي والعالمي بما في ذلك طريق الحرير الرقمي فإن الصين في وضع جيد للتغلب على التركيبة السكانية من كبار السن لتحقيق ما يكفي من المكاسب الإنتاجية لتصبح أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2030 أو ما يقرب من ذلك. كما يبلغ عدد سكان الصين أربعة أضعاف سكان الولايات المتحدة وتحتاج فقط إلى إنتاجية للفرد تزيد عن ربع سكان أمريكا لتتفوق على الاقتصاد الأمريكي.

    خامساً: تقترب فترة الهيمنة الغربية على العالم من نهايتها. فوفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، من المقرر أن يمثل العالم النامي ما يقرب من 60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للعالم بحلول عام 2030 وتقع بعض الدول النامية الأكثر ديناميكية ضمن الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة المنشأة حديثًا والتي تتكون من الدول الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا (ASEAN) وشركائها التجاريين الإقليميين الذين يمثلون ثلث الناتج المحلي الإجمالي للعالم وثلث سكان العالم. وباعتبارها الشريك التاجري الأكبر ومصنع العالم؛ تقع الصين في قلب هذه الكتلة التجارية الأكبر في العالم.

    سادساً: تلوح بعض المؤشرات الواعدة في الأفق يمكن رصد المزيد إذا اهتم المرء بالنظر حوله:

    (أ) هناك منافسة عالمية شرسة على المواهب. وقد ترك جون لي كا تشيو -الرئيس التنفيذي لهونج كونج-الباب لتدافع أفضل المواهب. وبالمثل أعلنت سنغافورا مؤخرًا عن تأشيرات عمل سلسة وطويلة الأجل لجذب المزيد من المواهب. مع بدء العالم في الخروج من الرقعة القاسية الحالية فإن المواهب التي ستخدم على سبيل الثورة الصناعية الرابعة أو الثورة الخضراء سوف تكون مطلوبة كثيرًا.

    (ب) وفقًا لتقرير الأمم المتحدة بشأن التوقعات السكانية للعالم 2022يمكن أن ينمو عدد سكان العالم بشكل بطيء من 8 مليارات في عام 2022 إلى 8.5 مليار في عام 2030، 9.7 مليار في عام 2050، 10.4 مليار في عام 2100. ومن المتوقع أن تساهم إفريقيا الصحراوية بأكثر من نصف الزيادة السكانية العالمية حتى عام 2050. وبحلول عام 2050 سيكون ربع سكان العالم من الأفارقة وبجانب النمو الاقتصادي، يستعد العالم النامي لارتفاع كبير في الطبقة الوسطى مما سيؤدي إلى زيادة الطلب على مجموعة كبيرة من الأطعمة والمشروبات والملابس والإلكترونيات الاستهلاكية والرعاية الصحية ومنتجات وخدمات أنماط الحياة.

    ج) في إطار الثورة الصناعية الرابعة؛ سجلت التجارة الإلكترونية عبر الإنترنت من خلال البث المباشر نجاحًا باهراً في المساعدة على انتشال ملايين الفلاحين الصينيين الفقراء في المناطق النائية من الفقر. يجب أن تنتشر هذه النماذج من الأعمال وسط العالم النامي حيث سيكون لها رواجاً كبيراً في جنوب شرق آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى والتي تمثل سلة الغذاء المتبقية في العالم.

    ولتلخيص الأمر، فاذا نظرنا إلى القدرة والمبادرات الحازمة فإن الصين والتي تضم منطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة في وضع جيد لتحويل شتاء اليأس في العالم المقلوب رأسًا على عقب إلى ربيع للأمل والإنجاز في عصر جديد.

    بقلم أندرو ك. ب.  ليونغ (الخبير الدولي والاستراتيجي الصيني المستقل. رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة أندرو ليونج المحدودة للاستشارات والاستثمارات.)

    (الآراء الموضحة في هذا المقال هي وجهة نظر المؤلف فقط ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر World Geostrategic Insights).

    تم نشر هذا المقال في الأساس باللغة الإنجليزية من قبل ChinaDaily وتمت ترجمته وإعادة نشره بإذن من المؤلف وChinaDaily.

    شاركها.